فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن بِلَال: «أَنه أَمر أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي قلَابَة، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة إِلَّا الْإِقَامَة»، وَقد غلط من ادَّعَى أَن هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «إِلَّا الْإِقَامَة» لَيست فِي مُسلم، فَهِيَ فِي بعض طرقه وَمَعْنَاهُ إِلَّا قَوْله: قد قَامَت الصَّلَاة فَإِنَّهَا مرَّتَيْنِ، وَاعْلَم أَن قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا، أَو أَمر بِكَذَا مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمُخْتَار عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء، بل ادَّعَى الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته الِاتِّفَاق عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُسْند إِذْ لَا خلاف بَين أهل النَّقْل أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ: أَمر أَو نهي أَو من السّنة كَذَا أَنه يكون مُسْندًا.
قلت: فعلَى هَذَا يكون قَوْله: «أَمر بِلَال» مَعْنَاهُ: أمره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ورد مُصَرحًا بذلك، فارتفع الْخلاف.
رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان وأَن يُوتر الْإِقَامَة».
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة». ثمَّ قَالَ: هَذَا فِيهِ الْبَيَان بِأَن قَول أنس: «أَمر بِلَال» أَرَادَ بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دون غَيره.
قَالَ: وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِك مَا أنبأ ابْن خُزَيْمَة، نَا ابْن عبد الْأَعْلَى، نَا مُعْتَمر قَالَ: سَمِعت خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس أَنه حدث أَنهم التمسوا شَيْئا يُؤذنُونَ بِهِ علما للصَّلَاة، فَأمر بِلَال. أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة ثمَّ قَالَ: وَمن ذَلِك الْخَبَر الْمُصَرّح بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي أَمر بِلَالًا بذلك لَا مُعَاوِيَة- كَمَا توهم من جهل صناعَة الحَدِيث فحرف الْخَبَر عَن جِهَته- حَدِيث عبد الله بن زيد حَيْثُ قَالَ: قُم فألق عَلَى بِلَال مَا رَأَيْت فليؤذن يَعْنِي: وَكَانَت فِي الرُّؤْيَا شفع الْأَذَان ووتر الْإِقَامَة كَمَا قدمْنَاهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس: أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة وَمن حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي قلَابَة بِهِ.
قلت: وَيرد عَلَيْهِ أَيْضا أَن الْمَنْقُول أَن بِلَالًا لم يُؤذن لأحد بعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مرّة وَاحِدَة بِالشَّام لعمر وَلم يتم أَذَانه، وَقيل: إِنَّه أذن للصديق.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث يَحْيَى بن معِين، عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن أَيُّوب- كَمَا سلف- وقَالَ: هَذَا حَدِيث أسْندهُ إِمَام أهل الحَدِيث ومزكى الروَاة بِلَا مدافعة، وَقد تَابعه عَلَيْهِ الثِّقَة الْمَأْمُون قُتَيْبَة بن سعيد، ثمَّ سَاقه كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: الشَّيْخَانِ لم يخرجَاهُ بِهَذَا السِّيَاق وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طرق، عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، عَن أنس كَمَا سلف، وَمن حَدِيث خَالِد عَن أبي قلَابَة، عَن أنس.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان، عَن وَكِيع، عَن عبد الْوَهَّاب، عَن أَيُّوب بِهِ، وَمن حَدِيث وهب، عَن خَالِد وَأَيوب بِهِ.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر مُنكر؛ قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ عُثْمَان بن أبي صَالح الْمصْرِيّ، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة؟ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر.
قلت: وَهَذِه الطَّرِيقَة لَا تقدح فِي الطَّرِيق السالفة الصَّحِيحَة، وَمرَاده بقوله: هَذَا حَدِيث مُنكر بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا فَقَط.
فَائِدَة: حَدِيث أنس هَذَا رَوَاهُ جماعات من الصَّحَابَة غَيره وَقد عددتهم فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب فراجعهم مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم علمه الْأَذَان تسع عشرَة كلمة وَالْإِقَامَة سبع عشرَة كلمة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُخْتَصرا كَذَلِك الدَّارمِيّ فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي إِحْدَى روايتيه قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى مطولا بِزِيَادَة، بَيَان ذَلِك: «الله أكبر- أَربع مَرَّات- أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله- مرَّتَيْنِ- أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله- كَذَلِك- ثمَّ يعود فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله- كَذَلِك- أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله- كَذَلِك- حَيّ عَلَى الصَّلَاة- مرَّتَيْنِ- حَيّ عَلَى الْفَلاح- مرَّتَيْنِ- الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله».
هَذَا لفظ النَّسَائِيّ وزَاد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْإِقَامَة هَكَذَا: «مثنى مثنى»؛ لَا يعود من ذَلِك الْموضع. وَزَاد أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه: وَالْإِقَامَة: «الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: وَرِجَال ابْن مَاجَه رجال الصَّحِيح.
قلت: وَحَدِيث أبي مَحْذُورَة قد سلف فِي الحَدِيث الْعَاشِر أَن مُسلما تفرد بِإِخْرَاجِهِ بِإِثْبَات الترجيع وَعدد كَلِمَاته تسع عشرَة كلمة، وَالله أعلم.

.الحديث الرَّابِع عشر:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أَذِنت فترسل وَإِذا أَقمت فاحدر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْمُعَلَّى بن أَسد ثَنَا عبد الْمُنعم- وَهُوَ صَاحب السقاء- نَا يَحْيَى بن مُسلم، عَن الْحسن وَعَطَاء، عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِبلَال: يَا بِلَال، إِذا أَذِنت فترسل فِي أذانك وَإِذا أَقمت فاحدر، وَاجعَل بَين أذانك وإقامتك قدر مَا يفرغ الْآكِل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إِذا دخل لقَضَاء حَاجته، وَلَا تقوموا حَتَّى تروني».
ثمَّ قَالَ: ونا عبد بن حميد، نَا يُونُس بن مُحَمَّد، عَن عبد الْمُنعم نَحوه، قَالَ: وَحَدِيث جَابر هَذَا لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث عبد الْمُنعم، وَهُوَ إِسْنَاد مَجْهُول.
قلت: رده التِّرْمِذِيّ بالجهالة، وَلَعَلَّه يَحْيَى بن مُسلم الرَّاوِي عَن الْحسن؛ فَإِن أَبَا زرْعَة قَالَ: لَا أعرفهُ. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الضُّعَفَاء: فَلَعَلَّهُ الْبكاء الْمجمع عَلَى ضعفه.
قلت: قد قَالَ فِيهِ ابْن سعد: ثِقَة إِن شَاءَ الله. حَكَاهُ الْمزي وَتَبعهُ هُوَ فِي تذهيبه وَقَالَ الْحَاكِم: لَا طعن فِيهِ وَقد جزم بِأَنَّهُ الْبكاء: الْبَيْهَقِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي سنَنه بعد أَن ذكره من هَذِه الطَّرِيق:
يَحْيَى بن مُسلم الْبكاء الْكُوفِي، ضعفه يَحْيَى بن معِين.
وَفِي إِسْنَاده مَعَ ذَلِك: عبد الْمُنعم بن نعيم الريَاحي الْبَصْرِيّ الواهي.
قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِيهِ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. قَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث جدًّا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ إِلَّا دونه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن عبد الْمُنعم بن نعيم عَن يَحْيَى بن مُسلم.
قَالَ البُخَارِيّ: عبد الْمُنعم بن نعيم، عَن يَحْيَى بن مُسلم: مُنكر الحَدِيث. ثمَّ ذكر كَلَامه السالف فِي يَحْيَى الْبكاء، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من سنَنه: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث نظر.
وَقَالَ أَبُو بكر الْمعَافِرِي: هَذَا حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد وَهُوَ فِي بَاب الْأَذَان حسن، وَادَّعَى بعض محدثي بَغْدَاد من أهل الْعَصْر فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث وَقعت فِي المصابيح: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي مَوْضُوع خلا قَوْله: «إِذا أَذِنت فترسل، وَإِذا أَقمت فاحدر»، وَلم يبرهن عَلَى ذَلِك وَلَا نسلم لَهُ.
وَرَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن عدي من جِهَة يَحْيَى بن مُسلم أَيْضا، وَفِيه: «وَإِذا أَقمت فاخذم». وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ الْحَافِظ، وَالْبَيْهَقِيّ من جِهَة مُعلى بن مهْدي، عَن عبد الْمُنعم الْبَصْرِيّ. قَالَ أَبُو حَاتِم: مُعلى هَذَا شيخ موصلي أَدْرَكته وَلم أسمع مِنْهُ، يحدث أَحْيَانًا بِالْحَدِيثِ الْمُنكر.
وَأغْرب الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَأخْرج هَذَا الحَدِيث فِي مُسْتَدْركه بِزِيَادَة ضَعِيف آخر وَهُوَ عَمْرو بن فائد الأسواري الْمَتْرُوك بَين عبد الْمُنعم وَيَحْيَى بن مُسلم، وَهِي تورث رِيبَة فِي رمي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ بالانقطاع أَو الِاخْتِلَاف فِي الْإِسْنَاد؛ فَقَالَ: ثَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن إِسْحَاق، أَنا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا عَلّي بن حَمَّاد بن أبي طَالب، ثَنَا عبد الْمُنعم بن نعيم الريَاحي، نَا عَمْرو بن فائد الأسواري، نَا يَحْيَى بن مُسلم، عَن الْحسن وَعَطَاء، عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِبلَال: «إِذا أَذِنت فترسل فِي أذانك...» الحَدِيث إِلَى قَوْله: «لقَضَاء حَاجته» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ فِي إِسْنَاده مطعون فِيهِ غير عَمْرو بن فائد الأسواري وَالْبَاقُونَ شُيُوخ الْبَصْرَة. قَالَ: وَهَذِه سنة غَرِيبَة لَا أعرف لَهَا إِسْنَادًا غير هَذَا، وَلم يخرجَاهُ.
هَذَا كَلَامه؛ وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: فِي دَعْوَاهُ أَنه لَيْسَ فِي إِسْنَاده مطعون فِيهِ غير عَمْرو بن فائد، وَفِيه اثْنَان ضعيفان بِمرَّة عبد الْمُنعم وَيَحْيَى بن مُسلم، كَمَا سلف.
وَأما عَمْرو بن فائد الْمَزِيد فِي الْإِسْنَاد، فَإِنَّهُ واه بِمرَّة، نسبه عَلّي بن الْمَدِينِيّ إِلَى الْوَضع، وَتَركه الدارقطني.
ثَانِيهمَا: دَعْوَاهُ أَن هَذِه السّنة لَيْسَ لَهَا إِلَّا هَذَا الْإِسْنَاد؛ فَإِن لَهَا إِسْنَاد ثَان وثالث، أسندها الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْقَاسِم بن الحكم، ثَنَا عَمْرو بن شمر، حَدثنَا عمرَان بن مُسلم، قَالَ: سَمِعت سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: سَمِعت عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا أَن نرتل الْأَذَان، ونحذف الْإِقَامَة»، وَعَمْرو هَذَا رَافِضِي مَتْرُوك، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم فِي الْأَوْسَط: لم يروه عَن عَمْرو بن شمر إِلَّا أَبُو مُعَاوِيَة.
قلت: قد رَوَاهُ الْقَاسِم بن الحكم وَهُوَ أَبُو أَحْمد العرني- فِيمَا أَظن- وَهُوَ ثِقَة وَإِن لينه الْعقيلِيّ حَيْثُ قَالَ: فِي حَدِيثه مَنَاكِير لَا يُتَابع عَلَى كثير من حَدِيثه.
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه: سَمِعت أَبَا الْحسن الْقَارئ يَقُول: سَمِعت أَبَا حَفْص- يَعْنِي: عَمْرو بن عَلّي- يَقُول: رجل يُقَال لَهُ يُوسُف بن عَطِيَّة كُوفِي أكذب من هَذَا قدم علينا، نزل المربد سمعته يَقُول: نَا عَمْرو بن شمر، عَن عمرَان بن مُسلم، عَن سُوَيْد بن غَفلَة، عَن عَلّي قَالَ: «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال: إِذا أَذِنت فترسل، وَإِذا أَقمت فاحذم» وَحدث أَحَادِيث مُنكرَة عَن قوم معروفين.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه لما أخرجه من حَدِيث جَابر وَضَعفه: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر عَن الْحسن وَعَطَاء، عَن أبي هُرَيْرَة؛ وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ بِلَفْظ قَالَ: «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال...» فَذكره إِلَى قَوْله: «لقَضَاء حَاجته» ثمَّ قَالَ: الْإِسْنَاد الأول أشهر من هَذَا.
قَالَ الدارقطني: وأنبأنا مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا الْحسن بن عَرَفَة، نَا مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز، عَن أَبِيه، عَن أبي الزبير مُؤذن بَيت الْمُقَدّس- وَهُوَ مِمَّن لَا يعرف اسْمه عَلَى مَا قَالَه الْحَاكِم أَبُو أَحْمد- قَالَ: «جَاءَنَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: إِذا أَذِنت فترسل، وَإِذا أَقمت فاحذم» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «فاحدر».
فَائِدَة: الترسل: التأني وَترك العجلة، قَالَ الْأَزْهَرِي: الترسل: التمهل فِي تأذينه وتبيين كَلَامه تبيينًا يفهمهُ كل من يسمعهُ.
قَالَ: وَهُوَ من قَوْلك: جَاءَ فلَان عَلَى رسله أَي: عَلَى هينته غير عجل وَلَا مُتْعب نَفسه. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: الترسل هُوَ الترتيل، والحدر- بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ-: الْإِسْرَاع وَترك التَّطْوِيل. وَقَوله: فاحدر يجوز لَك أَن تَقْرَأهُ بِكَسْر الدَّال وَضمّهَا.
قَالَ ابْن سَيّده: حدر الشَّيْء يحدُره ويحدِره حدرًا أَو حدورًا فانحدر: حطه من علو إِلَى سفل.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «دقائق الرَّوْضَة»: يحدر- بِضَم الدَّال مَعَ فتح الْيَاء- أَي: يسْرع.
قَالَ أهل اللُّغَة: حدرت الْقِرَاءَة وَالْأَذَان وَنَحْوهمَا أحدره حدرًا إِذا أسرعت بِهِ.
وَقَوله فِي رِوَايَة ابْن عدي وَمن تبعه: فاحذم رُوِيَ بأوجه: أَحدهَا: بحاء مُهْملَة، ثمَّ ذال مُعْجمَة مَكْسُورَة وَبعدهَا مِيم وهمزته همزَة وصل، وَعَلِيهِ اقْتصر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام قَالَ صَاحب الْمُحكم: الحذم: الْإِسْرَاع فِي الشَّيْء. قَالَ: وَمِنْه قَول عمر... فَذكر الْأَثر السالف، وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن أبي عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِن الحذم الحدر فِي الْإِقَامَة، وَقطع التَّطْوِيل. قَالَ ابْن فَارس: كل شَيْء أسرعت فِيهِ فقد حذمته.
ثَانِيهَا: بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة، أَي: اقْطَعْ التَّطْوِيل.
ثَالِثهَا: بِالْخَاءِ والذال المعجمتين، وَهُوَ من الخذم، أَي: السرعة، حَكَى هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله أَبُو الْقَاسِم بن البزري.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: وَالْأول هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الْمَعْرُوف، والوجهان الْآخرَانِ صَحِيحَانِ فِي اللُّغَة أَيْضا، وَذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ اخْتِيَار أبي عبيد، وَعَن خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح عَلَى حَاشِيَة سنَن الْبَيْهَقِيّ أَن الصَّوَاب الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الْحَرْف بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ: وأخبرت قِرَاءَة عَن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل صَاحب مجمع الغرائب قَالَ:- وَقد أورد هَذَا الحَدِيث بالحرف الْمَذْكُور- أصل الحذم: الْإِسْرَاع فِي الشَّيْء أمره بِالتَّخْفِيفِ فِي الْإِقَامَة، وَأما الخذم والجذم بِالْخَاءِ وَالْجِيم فهما من الْقطع وليسا من هَذَا الحَدِيث.
والاعتصار: ارتجاع الْعَطِيَّة، واعتصر من الشَّيْء: أَخذ، والاعتصار أَن يَأْخُذ من الْإِنْسَان مَالا بغرم أَو بِشَيْء غَيره، وَكَأن الْكِنَايَة عَن الدَّاخِل لقَضَاء الْحَاجة بالمعتصر من ذَلِك.

.الحديث الخَامِس عشر:

عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «ألْقَى عليَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التأذين بِنَفسِهِ، فَقَالَ: قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله بالترجيع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْعَاشِر مِنْهُ.

.الحديث السَّادِس عشر:

ورد الْخَبَر بالتثويب فِي أَذَان الصُّبْح.
هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ورد ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «من السّنة إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَان الْفجْر: حَيّ عَلَى الْفَلاح قَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ تَثْنِيَة التثويب.
وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة بِلَفْظ: عَن أنس قَالَ: «كَانَ التثويب فِي صَلَاة الْغَدَاة: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن حَيّ عَلَى الْفَلاح فَلْيقل: الصَّلَاة خير من النّوم».
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ: وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث رِوَايَته هَكَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَأما من رَوَاهُ عَنهُ: «كَانَ التثويب عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصَّلَاة خير من النّوم» فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ.
قلت: وَلَفْظَة «من السّنة» يُعْطي هَذَا أَيْضا عَلَى الصَّحِيح فِيهِ، وَمِنْهَا حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن بِلَال: أَنه أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بِصَلَاة الْفجْر، فَقيل: هُوَ نَائِم فَقَالَ الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ، فأقرت فِي تأذين الْفجْر فَثَبت الْأَمر عَلَى ذَلِك.
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن عَمْرو بن رَافع، نَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات أَئِمَّة أَعْلَام مخرج حَدِيثهمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، إِلَّا عَمْرو بن رَافع شيخ ابْن مَاجَه، وَهُوَ حَافظ.
قَالَ أَبُو حَاتِم: قل من كتبنَا عَنهُ أصدق لهجة وَأَصَح حَدِيثا مِنْهُ لَكِن أعله النَّوَوِيّ فِي خلاصته بالانقطاع. قَالَ لِأَن سعيدًا لم يسمع من بِلَال وَهُوَ الظَّاهِر؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَغِيرا عِنْد موت بِلَال؛ فَإِن مولد سعيد سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة وَقيل: سنة سبع عشرَة، وَمَات بِلَال سنة عشْرين أَو إِحْدَى وَعشْرين، فَيكون سنّ سعيد إِذْ ذَاك خمس سِنِين أَو أَربع سِنِين عَلَى الأول، وَثَلَاث أَو أَربع عَلَى الثَّانِي.
وَرُوِيَ من طَرِيق آخر مُتَّصِل رَوَاهُ ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة من حَدِيث عبد الله بن زيد، عَن بِلَال أَيْضا.
وَمِنْهَا حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَشَارَ النَّاس لما يهمهم إِلَى الصَّلَاة، فَذكرُوا البوق فكرهه من أجل الْيَهُود، ثمَّ ذكرُوا الناقوس فكرهه من أجل النَّصَارَى، فأري النداء تِلْكَ اللَّيْلَة رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: عبد الله بن زيد، وَعمر بن الْخطاب فطرق الْأنْصَارِيّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلًا، فَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا فَأذن بِهِ» قَالَ الزُّهْرِيّ: وَزَاد بِلَال فِي نِدَاء صَلَاة الْغَدَاة: «الصَّلَاة خير من النّوم، فأقرها رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عمر: يَا رَسُول الله، قد رَأَيْت مثل الَّذِي رَأَى وَلكنه سبقني».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن عبد الله الوَاسِطِيّ، نَا أبي، عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم فِي الصِّحَاح إِلَّا الوَاسِطِيّ الْمَذْكُور فَفِيهِ مقَال، ضعفه أَبُو زرْعَة وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ عَلَى يَدي عدل.
وَرَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي مُسْنده عَن الْحسن بن سَلام، وَأبي عَوْف قَالَا: حَدثنَا أَبُو نعيم، نَا سُفْيَان، عَن ابْن عجلَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَ فِي الْأَذَان الأول بعد حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح: الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، عَن أبي نعيم، وَمن جِهَته أخرجه الْبَيْهَقِيّ.
وَمِنْهَا عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كنت أؤذن للنَّبِي فَكنت أَقُول فِي أَذَان الْفجْر الأول: حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، الصَّلَاة خير من النّوم، الصَّلَاة خير من النّوم، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي جَعْفَر، عَن أبي سلمَان عَن أبي مَحْذُورَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: أَبُو جَعْفَر هَذَا لَيْسَ بِأبي جَعْفَر الْفراء، وَسَتَأْتِي رِوَايَة أبي دَاوُد أَيْضا لَهُ فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر، وَفِي الْبَاب غير ذَلِك من الْأَحَادِيث كَحَدِيث عَائِشَة وَغَيرهَا حذفتها اختصارًا.
وَذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر عَن بِلَال وَعلي، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وهما منقطعان.

.الحديث السَّابِع عشر:

عَن بِلَال رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تثوبن فِي شَيْء من أصلح إِلَّا فِي صَلَاة الْفجْر.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن أبي إِسْرَائِيل، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أثوب فِي الْفجْر، ونهاني أَن أثوب فِي الْعشَاء.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل بِهِ بِلَفْظ: «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا أثوب فِي شَيْء من الصَّلَاة إِلَّا فِي صَلَاة الْفجْر».
وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي ضُعَفَائِهِ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، وَمن حَدِيث الحكم أَو الْحسن بن عمَارَة بِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل الْملَائي واسْمه: إِسْمَاعِيل ابْن أبي إِسْحَاق، وَلَيْسَ بذلك الْقوي عِنْد أهل الحَدِيث، وَأَبُو إِسْرَائِيل لم يسمع هَذَا الحَدِيث من الحكم بن عتيبة قَالَ إِنَّمَا رَوَاهُ عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم بن عتيبة.
قلت: ووراء ذَلِك كُله عِلّة أُخْرَى، وَهِي الِانْقِطَاع؛ فَإِن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى لم يدْرك بِلَالًا، كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْحفاظ، قَالَ الشَّافِعِي: لَا نعلم عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى رَأَى بِلَالًا قطّ؛ عبد الرَّحْمَن بِالْكُوفَةِ، وبلال بِالشَّام!.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: عبد الرَّحْمَن لم يسمع من بِلَال وَلَا أدْرك أَذَانه. وَسَبقه إِلَى ذَلِك يَحْيَى بن معِين أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم لما سُئِلَ: هَل سمع مِنْهُ؟ قَالَ: كَانَ بِلَال خرج إِلَى الشَّام فِي خلَافَة عمر قَدِيما؛ فَإِن كَانَ رَآهُ كَانَ صَغِيرا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِن مولد عبد الرَّحْمَن لستًّ بَقينَ من خلَافَة عمر كَمَا حَكَاهُ شُعْبَة عَن الحكم عَنهُ. وَقَالَ ابْن معِين إِنَّه لم ير عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث قبله وَفَاة بِلَال، فَحصل تَعْلِيل الحَدِيث بالضعف والانقطاع، أما الضعْف فبسبب أبي إِسْرَائِيل، واسْمه: إِسْمَاعِيل بن أبي إِسْحَاق، واسْمه: خَليفَة- أَو عبد الْعَزِيز، قَولَانِ- الْملَائي الْعَبْسِي الْكُوفِي، ضَعَّفُوهُ، قَالَ يَحْيَى: أَصْحَاب الحَدِيث لَا يَكْتُبُونَ حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَتَركه ابْن مهْدي، وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ يُخَالف فِيهِ الثِّقَات. وَقَالَ الْعقيلِيّ: فِي حَدِيثه وهم واضطراب وَله مَعَ ذَلِك مَذْهَب سوء خَبِيث.
وَأما الِانْقِطَاع فَفِي موضِعين:
أَحدهمَا: بَين ابْن أبي لَيْلَى وبلال، وَهُوَ وَاضح كَمَا سلف.
الثَّانِي: بَين أبي إِسْرَائِيل وَالْحكم كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ، وَفِيه وَقْفَة؛ فَإِن الإِمَام أَحْمد قد قَالَ فِي رِوَايَته: نَا حسن بن الرّبيع، نَا أَبُو إِسْرَائِيل، نَا الحكم. لَكِن قد رَوَاهُ الْعقيلِيّ من حَدِيث الحكم أَو الْحسن بن عمَارَة- عَلَى الشَّك كَمَا سلف- ثمَّ قَالَ: رَأَيْت فِي كتاب مُحَمَّد بن مُسلم بن وارة أخرجه إِلَى أَبِيه بِالريِّ قَالَ لي أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: مَرَرْت يَوْمًا عَلَى بَاب أبي إِسْرَائِيل فَإِذا ريَاح قَاعد، فَقلت: مَا أقعدك هَا هُنَا؟! فَقَالَ: بَلغنِي حَدِيث عَن هَذَا، فَلم أتمالك-
وَإِذا هُوَ قد ذكر حَدِيث بِلَال فِي التثويب- فاستأذنت عَلَى أبي إِسْرَائِيل فَأذن لنا فَلم أزل ألطف بِهِ فَلَمَّا قمنا قلت لَهُ: شَيْئا اخْتَلَفْنَا فِيهِ فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَذكرت ذَلِك، فَقَالَ: نَا الحكم، عَن ابْن أبي لَيْلَى أَو الْحسن بن عمَارَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِبلَال...» الحَدِيث.
قَالَ الْعقيلِيّ: وحَدثني آدم بن مُوسَى قَالَ: سَمِعت البُخَارِيّ قَالَ: نَا إِسْمَاعِيل بن أبي إِسْحَاق أَبُو إِسْرَائِيل الْعَبْسِي الْملَائي الْكُوفِي، عَن الحكم، وعطية ضعفه أَبُو الْوَلِيد، قَالَ: سَأَلته عَن حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال، وَكَانَ يرويهِ عَن الحكم فِي الْأَذَان فَقَالَ سمعته من الحكم وَالْحسن بن عمَارَة.
قلت: وَالْحسن بن عمَارَة أحد الهلكى، قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. فتقرر إِذا ضعف هَذَا الحَدِيث بشواهده. وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فَذكر هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه التَّحْقِيق من طريق الإِمَام أَحْمد محتجًّا بِهِ، ثمَّ قَالَ: إِن قيل: أَبُو إِسْحَاق ضَعِيف، ثمَّ لم يسمعهُ من الحكم، إِنَّمَا رَوَاهُ عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم. قُلْنَا: مُجَرّد التَّضْعِيف لَا يقبل حَتَّى يبين سَببه، وَقد رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: ثَنَا الحكم: وهَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيم ذَلِك لَهُ فَكيف يعْمل بالانقطاع بَين ابْن أبي لَيْلَى وبلال وأجمل ابْن السكن القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث فَقَالَ بعد أَن ذكره فِي صحاحه: لَا يَصح إِسْنَاده.
فَائِدَة: قَول التِّرْمِذِيّ السالف هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي إِسْرَائِيل الْملَائي، قد عرفنَا لَهُ بِفضل الله وَمِنْه طَرِيقا آخر غَيره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الزجاجي، عَن أبي سعيد، وَهُوَ الْبَقَّال عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن بِلَال قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أثوب فِي الْفجْر، ونهاني أَن أثوب فِي الْعشَاء» وَعبد الرَّحْمَن هَذَا إِن يكن الرَّاوِي عَن معمر وطبقته، فقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حَقه: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ غَيره: صَالح الحَدِيث.

.الحديث الثَّامِن عشر:

ثَبت عَن أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَذَان وَقَالَ: إِذا كنت فِي أَذَان الصُّبْح فَقلت: حَيّ عَلَى الْفَلاح فَقل الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث الْحَارِث بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، عَلمنِي سنة الْأَذَان، قَالَ: فَمسح مقدم رَأسه قَالَ: تَقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بهَا صَوْتك، ثمَّ تَقول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، تخْفض بهَا صَوْتك ثمَّ ترفع صَوْتك بِالشَّهَادَةِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الصَّلَاة، حَيّ عَلَى الْفَلاح، حَيّ عَلَى الْفَلاح فَإِن كَانَ صَلَاة الصُّبْح قلت: الصَّلَاة خير من النّوم، الصَّلَاة خير من النّوم، الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله».
وَلما ذكر عبد الْحق فِي أَحْكَامه هَذَا الحَدِيث بالسند الْمَذْكُور قَالَ: لَا يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، وَلَا نعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا أَبُو قدامَة الْحَارِث بن عبيد، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف قَالَه ابْن معِين، وَقَالَ فِيهِ أَيْضا: مُضْطَرب الحَدِيث. وَكَذَا قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: سَمِعت ابْن مهْدي يحدث عَنهُ، وَقَالَ: كَانَ من شُيُوخنَا، وَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا، فَأَما عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة فقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة وسَاق التِّرْمِذِيّ حَدِيثا فِي الْأَذَان من رِوَايَته وَرِوَايَة ابْنه عبد الْعَزِيز جَمِيعًا وَصَححهُ.
قلت: أما الْحَارِث بن عبيد؛ فَأخْرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه محتجًّا بِهِ، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وقَالَ السَّاجِي صَدُوق. وَأما مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة فروَى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ أَيْضا، كَمَا أَفَادَهُ الْمزي فِي تهذيبه وَأخرج لَهُ.
وَأخرج أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه الحَدِيث من طريقهما، فَقَالَ: أَنا الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي، نَا مُسَدّد بن مسرهد، ثَنَا الْحَارِث بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن جده... كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد، فصح إِذا قَول الرَّافِعِيّ إِنَّه حَدِيث ثَابت، وَكَذَا قَول صَاحب الْمُهَذّب والْوَسِيط إِنَّه قد صَحَّ التثويب فِي خبر أبي مَحْذُورَة، وَقد سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ مُحْتَج بِهِ عِنْده.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من غير طَرِيقه من حَدِيث عُثْمَان بن السَّائِب قَالَ: أَخْبرنِي أبي وَأم عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة... فَذكر حَدِيث الْأَذَان وَفِيه: «الصَّلَاة خير من النّوم» فِي صَلَاة الصُّبْح وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة، ثمَّ ذكره أَبُو دَاوُد من طَرِيقين آخَرين- أَيْضا- عَن أبي مَحْذُورَة، وَقد أسلفنا لَهُ طَرِيقا آخر عَن النَّسَائِيّ فِي الحَدِيث السَّادِس عشر أَيْضا.